المحور الثالث الشخص بين الحرية والضرورة
ما الشخص؟ ما الحرية؟ ما الضرورة؟ هل الشخص حر أم خاضع للضرورة؟
بتعبير آخل هل الشخص حر في ذاته وأفعاله واختياراته أم أنه ليس حرا؟ وإن كان الشخص
حر فما الذي يجعله كذلك وهل هو حر حرية مطلقة أم حرية نسبية فقط؟
وإذا
كان الشخص خاضعا للضرورة فما طبيعتها هي هل ضرورة طبيعية بيولوجية أم ضرورة
اجتماعية أم ضرورة سيكولوجيا وهل هو خاضع لها خضوعا مطلقا؟
مفهوم الحرية:
تعني الحرية "حالة الكائن الذي لا يعاني إكراها
"، كما تعني "قدرة الإرادة على الفعل". لكن الحرية هنا تختلف عن
معناها القانوني، فالحرية في معناها القانوني تعني فعل ما تبيحه القوانين. مثلا نقول زيد حر أي أنه...........
مفهوم الضرورة:
تفيد الضرورة لغة الحاجة، وفي موسوعة لالاند نجد أن الضرورة هي سمة ما هو ضروري، وأنها قد تعني كل إكراه ممارس على رغبات الإنسان وأفعاله. مثلا نقول زيد خاضع للضرورة بمعنى أنه................
وتتعدد أشكال الضرورات فمنها الطبيعية ومنها الاجتماعية ومنها النفسية...
باروخ اسبينوزا: لا حرية خارج الطبيعة
يؤكد الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا في موقفه أن الإنسان وجميع المخلوقات خاضعة لعلل خارجية في فعلها ووجودها. ويؤكد أن الذي يجعل الإنسان يعتقد أنه حر هو كونه يعي أفعاله ويجهل الأسباب التي تدفعه إلى الفعل، وهذا ما يتضح في قوله: " تلك هي الحرية الإنسانية التي يتبجح الكل بامتلاكها والتي تقوم فقط في واقعة أن للناس وعي بشهواتهم ، ويجهلون الأسباب التي تحددهم حتمياً". من بين الأمثلة التي يقدمها اسبينوزا في هذا الصدد، رغبة الطفل في الحليب، فالطفل ليس حرا في رغبته تلك وإنما خاضع لإكراه طبيعي بحكم طبيعته. لذلك يرى اسبينوزا أنه لا وجود لحرية خارج الطبيعة، وأنه مجرد كائن خاضع لقوانين الطبيعة، وتكمن حريته في هذا الخضوع، وهو شرط رئيس في تحقيق تحرره عبر هذا الانصياع والامتثال إلى الطبيعة.
جان بول سارتر: الإنسان محكوم عليه بالحرية
على خلاف موقف النص وموقف مجموعة الفلاسفة والفكرين وعلى خلاف التصورات الحتمية يؤكد الفيلسوف الفرنسي أن الإنسان حر في اختياراته وينطلق سارتر في بناء هموقفه هذا من القول بأسبقية الوجود عن الماهية، أي أن الشخص يوجد أولا ثم يحدد ما سيكون عليه، إنه مشروع يتحقق بشكل ذاتي لامتلاكه القدرة على التجاوز والارتماء في المستقبل المفتوح على ما لا نهاية من الإمكانيات. إن الإنسان في نظر سارتر يشكل ذاته وهويته ويحددها في ضوء ما يختاره لنفسه كمشروع في حدود إمكانيته. هكذا يكون سارتر قد جعل الشخص مسؤولا عن ذاته وأفعاله واختياراته على خلاف التصورات السابقة التي جعلته مجرد شخص خاضع.
إمانويل مونييه: الحرية مشروطة بالواقع
يرى الفيلسوف الفلرنسي إمانويل مونييه أن حرية الشخص مشروطة بالوضع الواقعي له، وهي لا تتحقق إلا عندما يتجه الإنسان نحو التحرر في إطار التشخصن أي الخروج بالذات من عزلتها وفردانيتها والاتجاه نحو الشخص عبر الانفتاح على الآخرين والتواصل معهم، وتحمل مصائرهم وآلامهم بكل كرم ومجانية.
ملخص درس الشخص بين الحرية والضرورة
يتناول هذا المحور العلاقة المعقدة بين الحرية والضرورة في وجود الإنسان، ويتساءل عما إذا كان الشخص حرًا في أفعاله واختياراته أم خاضعًا لضرورات مختلفة. فالحرية تعني غياب الإكراه وقدرة الإرادة على الفعل، في حين تشير الضرورة إلى كل ما يُمارس من إكراه داخلي أو خارجي على الإنسان، سواء أكان طبيعيًا أو اجتماعيًا أو نفسيًا. وقد تباينت آراء الفلاسفة حول هذا الموضوع؛ فـ"باروخ اسبينوزا" يرى أن الإنسان خاضع كليًا لقوانين الطبيعة، ويظن نفسه حرًا فقط لأنه يعي أفعاله ويجهل أسبابها الحقيقية، مما يجعل حريته مجرد وهم. في المقابل، يؤكد "جان بول سارتر" أن الإنسان حر جوهريًا، لأنه يوجد أولًا ثم يختار ما يكون عليه، مما يجعله مسؤولًا بالكامل عن ذاته واختياراته. أما "إمانويل مونييه" فيقدم تصورًا وسطًا، حيث يرى أن حرية الإنسان نسبية ومشروطة بوضعه الواقعي، ولا تتحقق إلا من خلال الانفتاح على الآخرين وتحمل المسؤولية. ومن ثم، فإن الشخص ليس حرًا حرية مطلقة ولا خاضعًا خضوعًا تامًا، بل يبني حريته داخل شروط الضرورة عبر الفهم، التجاوز، والتواصل.