مفهوم السعادة - مجزوءة الأخلاق

المفهوم الثالث: مفهوم السعادة

ربما كانت السعادة القيمة الأخلاقية الوحيدة التي يطمح لاكتسابها كل الناس رغم اختلاف ميولهم وانتماءاتهم، لكن ورغم اتفاق الجميع في “البحث عن السعادة”، فإنهم يختلفون في البعد الدلالي لها إلى درجة يمكن معها القول أن هناك أشكالا من السعادة بقدر ما هنالك من أفراد، إذ ترى أغلبية الناس أنها تتعلق بأمور سهلة وواضحة مثل اللذة والثروة والمجد والشرف، ومع ذلك فهم يختلفون فيما بينهم على أيها أحق باسم السعادة. بل إن الشخص الواحد قد يرى السعادة في الصحة حينما ينزل به المرض، ثم يراها في المال حين يكون فقيرا معدما. إن كل إنسان إذن يريد أن يكون سعيدا، ولكي يصبح كذلك كما يقول “روسو” عليه أن يبدأ أولا بمعرفة ما السعادة؟

المحور الأول: تمثلات السعادة

2 الإشكالات المحورية
ما السعادة؟ فيم يتمثل الإنسان السعادة؟ هل يتمثلها في الإشباع العقلي النفسي، أم ما في الإشباع الحسي؟ وألا يمكن القول بأن السعادة تبقى مثالا يطمح إليه الإنسان دون القدرة على بلوغه؟
2 موقف أرسطو
ينتقد أرسطو التصورات الشائعة التي ترى السعادة في الثروة أو العيش في ضروب الإستمتاع المادي، أو المجد والتشريفات، فكلها تصورات تتسم بالسطحية وترتبط بما حسي ومتغير وليس بما هو عقلي. لذلك يرى أرسطو أن الفلسفة تنطوي على أخلص أنواع اللذة وأبقاها.
2 موقف إيمانويل كانط
لا يختلف كانط مع أرسطو في رفض التمثلات التي تربط السعادة بما حسي، منطلقا من فكرة أن ما هو حسي و جزئي و ومتغير ومشروط لا يمكن أن يؤسس لما هو مطلق كالسعادة، إلا أنه يختلف عن أرسطو حيث يؤكد على كون السعادة تشكل نموذجا خياليا، فالسعادة ليست إلا فكرة مثالية يطمح إليها الإنسان دون ان يستطيع بلوغها. يقول كانط: " السعادة ليست موجودة بذاتها بل هي فكرة نطمح إليها".

المحور الثاني: البحث عن السعادة

2 الإشكالات المحورية
ما السعادة؟ ما هي سبل تحقيق وبلوغ السعادة؟ هل بإشباع متطلبات الجسد المادية، وامتلاك الخيرات والنفوذ، أم بتحقيق متطلبات العقل، والعلم والأخلاق؟
2 موقف تصور فخر الدين الرازي:
يؤكد الفيلسوف فخر الدين الرازي بأن السعادة الحقيقية، لا تكمن في الإشباع المادي الحسي الصرف، وإنما فيما يملكه الإنسان من علوم ومعارف وأخلاق فاضلة. فلو كانت السعادة مقرونة بإرضاء كل رغبات الإنسان وتحقيق كل حاجياته الضرورية، -يقول الرازي- لكان الحيوان هو اسعد المخلوقات، ما دام هو الاقوى والاقدر على تحقيق ذلك من الإنسان. وإذا كان الإهتمام بالملذات البدنية هو الطريق الانسب لتحقيق الكمال والسعادة الحقيقية، فلماذا يتضرر الإنسان من جراء الإسراف في الاكل والشرب؟ ولماذا يحتقر الشخص النهم والأكول من طرف الناس ويصنف من ضمن البهائم؟. إن دل هذا على شيء فإنما يدل على "أن الإشتغال بقضاء الشهوات ليس من السعادة والكمالات، بل من دفع الحاجات".
2 موقف جون جاك روسو
إن السعادة حسب جون جاك روسو لا تتحقق إلا من خلال معادلة متكافئة بين رغبات الإنسان وقدراته. إلا أن هذه المعادلة لم تكن ممكنة إلا في حالة الطبيعة، حيث كانت الرغبات بسيطة يستطيع الإنسان تلبيتها، ففي حالة الطبيعة "كان الإحساس الأول للإنسان هو الإحساس بوجوده، وقد كان همه الأول هو حفظ ذلك الوجود، وكانت منتجات الأرض توفر له كل أسباب البقاء الضرورية. وقد قادته غريزيته إلى استغلالها". وحين انتقل الإنسان من الحالة الأولى أي حالة الطبيعة إلى حالة المدنية والحياة الإجتماعية، فقد الإنسان سعادته، وذلك راجع إلى أن الإنسان في الحالة الثانية عرف تحولا من حيث الرغبات، اي ظهور الكمالات اللامتناهية، التي لا تتناسب وقدرات الإنسان، وكان ذلك سببا لشقائه وقلقه وألمه.

المحور الثالث: السعادة والواجب

2 الإشكالات المحورية
ما السعادة وما الواجب؟ وما طبيعة العلاقة القائمة بين السعادة والواجب؟ هل الامتثال للواجب الأخلاقي يمكن الإنسان من بلوغ السعادة أم لا؟
2 موقف برتراند راسل
إن السعادة ليست حكرا على شخص دون غير، لذلك يرى راسل أن إسعاد الغير يعتبر واجب. حيث يدافع برتراند راسل على أن لكل إنسان الحق في السعادة، لكن بشرط ألا يكون على حساب الآخرين. من هنا يكون من واجب الإنسان أن يراعي حق الغير كذلك في السعادة. وبخصوص السعادة الحقيقية حسب راسل فهي لا تكمن في الموضات والهوايات فذلك نوع من الهروب من الواقع، ولكن السعادة تنبثق من فكرة التضحية بالذات التي يفرضها اﻹحساس بالواجب، بوصفه أمرا أخلاقيا مطلقا وملزما كما ذهب ﺇلى ذلك كانط. إن برتراند راسل يرى أنه من الممكن تحقيق سعادة الآخرين، من خلال الحرص على المعاملة الطيبة بغية إفساح المجال أمام المشاعر الإنسانية من عطف وحب وسعادة. يقول راسل: " ربما كان حب كثير من الناس تلقائيا وبدون مجهود، أعظم مصادر السعادة الشخصية"

2 موقف ألان (إميل شارتيي)

إن السعادة عند ألان "إميل شارتي" سهلة المنال، وشرط ذلك أن يطلبها الإنسان، كما أنه من السهل على المرء أن يكون مستاء، حين يرفض ما تقدمه الحياة من عطايا. إن السعادة لا تتطلب أكثر من اللازم، وأكثر من قدرات الإنسان، فهي تتطلب أشياء قليلة وبسيطة مظاهر السعادة التي يلتمسها في علاقته بالآخر. بذلك يناشدنا آلان بعدم الاستسلام عند مواجهة الصعوبات وألا نعترف بالهزيمة قبل مواجهة ومقاومة نبذل فيها أقصى ما نملك من القوة. فالسعادة لا توجد هناك بل مرتبطة برغبتنا وإرادتنا. فمن الواجب علينا أن نصنعها ونناضل من أجلها ونعلم الآخرين فن الحياة السعيدة وذلك بعدم التحدث أمامهم عن تعاستنا.
تعليقات